الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إلَّا بِنِيَّةٍ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ هَكَذَا طَلُقَتْ فِي أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي الْإِشَارَةِ لِلطَّلَاقِ بِالْأَصَابِعِ وَفِي غَيْرِهَا، إذَا (قَالَ) لِزَوْجَتِهِ: (أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ) وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا (لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إلَّا بِنِيَّةٍ) لَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِالْإِشَارَةِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ وُقُوعُ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ (فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ) الْقَوْلِ أَوْ الْإِشَارَةِ (هَكَذَا طَلُقَتْ فِي) إشَارَةِ أُصْبُعٍ طَلْقَةً، وَفِي إشَارَةِ (أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ، وَفِي) إشَارَةِ (ثَلَاثٍ) مِنْ الْأَصَابِعِ (ثَلَاثًا) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ فِي الْعَدَدِ بِمَنْزِلَةِ النِّيَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: {الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْكَرِيمَةِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَرَادَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ الْإِشَارَةِ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ بِالْعَدَدِ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ مُفْهِمَةً لِلطَّلْقَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِ كَالنَّظَرِ لِلْأَصَابِعِ أَوْ تَحْرِيكِهَا أَوْ تَرْدِيدُهَا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْتَادُ الْإِنْسَانُ الْإِشَارَةَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَظْهَرُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْعَدَدِ إلَّا بِقَرِينَةٍ. قَالَهُ الْإِمَامُ، وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِطَلَاقٍ (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ) بِالثَّلَاثِ الْأُصْبُعَيْنِ (الْمَقْبُوضَتَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَلَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْإِشَارَةِ بِهِمَا، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَحَدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ صَرِيحَةٌ فِي الْعَدَدِ كَمَا مَرَّ فَلَا يُقْبَلُ خِلَافُهَا، وَلَوْ عَكَسَ فَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ، وَقَالَ: أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ الثَّلَاثَ الْمَقْبُوضَةَ صُدِّقَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَتْ، الْإِشَارَةُ بِيَدِ مَجْمُوعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا وَقَعَ وَاحِدَةً كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ الثَّلَاثُ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت بِهَا الْأُصْبُعَ دُونَ الزَّوْجَةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا قَطْعًا وَلَمْ يُدَنْ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ أَشَارَ بِفُرُوعٍ مِنْ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ عَبْدٌ إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ سَيِّدُهُ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ بِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَتَجْدِيدُ قَبْلَ زَوْجٍ.
الشَّرْحُ: (وَ) هُوَ مَا (لَوْ قَالَ عَبْدٌ) لِزَوْجَتِهِ (إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ) لَهُ (سَيِّدُهُ إذَا مِتُّ) أَنَا (فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ) كُلُّهُ (بِهِ) أَيْ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ) عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ الْكُبْرَى (بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ) فِي عِدَّتِهَا (وَتَجْدِيدُ) النِّكَاحِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (قَبْلَ زَوْجٍ) آخَرَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلْقَتَيْنِ وَعِتْقَ الْعَبْدِ مُعَلَّقَانِ مَعًا بِالْمَوْتِ فَوَقَعَا مَعًا، وَالْعِتْقُ كَمَا لَا يَتَقَدَّمُ الطَّلَاقَ لَمْ يَتَأَخَّرْ، فَإِذَا وَقَعَا مَعًا غُلِّبَ جَانِبُ الْحُرِّيَّةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهَا فَكَانَ الْعِتْقُ مُقَدَّمًا، وَالثَّانِي تَحْرُمُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَتَقَدَّمْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَخَرَجَ بِعِتْقِ جَمِيعِهِ مَا لَوْ عَتَقَ بَعْضُهُ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالطَّلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُبَعَّضَ كَالْقِنِّ فِي عَدَدِ الطَّلْقَاتِ. تَنْبِيهٌ: لَا تَخْتَصُّ الْمَسْأَلَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ بَلْ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي كُلِّ صُوَرِهِ تَعَلَّقَ عِتْقُ الْعَبْدِ بِهِ، وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ: كَمَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ: إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ السَّيِّدُ: إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ عَتَقَ وَطَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ قَطْعًا لِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَقَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ عَلَّقَ السَّيِّدُ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ وَعَلَّقَ الْعَبْدُ الطَّلْقَتَيْنِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَاشْتُرِطَ الْمُحَلِّلُ قَطْعًا لِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ عَلَى الْعِتْقِ، وَلَوْ عَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُدَبَّرَةٍ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَهُوَ وَارِثُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ كَانَتْ، مُكَاتَبَةً أَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهَا بِمَوْتِهِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَلَا يُصَادِفُ الطَّلَاقُ مَحِلًّا، أَمَّا الْمُدَبَّرَةُ فَتَطْلُقُ إنْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَلَوْ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ الْعِتْقَ.
المتن: وَلَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ لَمْ تَطْلُقْ الْمُنَادَاةُ وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ) مَثَلًا كَحَفْصَةَ (فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى) كَعَمْرَةَ (فَقَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ لَمْ تَطْلُقْ الْمُنَادَاةُ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَاطَبْ بِالطَّلَاقِ وَظَنُّ خِطَابِهَا لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عَلَيْهَا (وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِخِطَابِهَا بِالطَّلَاقِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِانْتِفَاءِ قَصْدِهَا، وَخَرَجَ بِيَظُنُّهَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُجِيبَةَ غَيْرُ الْمُنَادَاةِ، فَإِنْ قَصَدَ طَلَاقَهَا طَلُقَتْ فَقَطْ أَوْ الْمُنَادَاةُ وَحْدَهَا حُكِمَ بِطَلَاقِهَا، أَمَّا الْمُنَادَاةُ فَظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَأَمَّا الْمُخَاطَبَةُ فَظَاهِرًا وَيَدِينُ.
المتن: وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنِصْفٍ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا بِغَيْرِ كُلَّمَا (بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ) كَإِنْ أَكَلْت رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَعَلَّقَ) ثَانِيًا: (بِنِصْفٍ) مِنْ رُمَّانَةٍ كَإِنْ أَكَلْت نِصْفَهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ) لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا أَكَلَتْ نِصْفَ رُمَّانَةٍ وَأَكَلَتْ رُمَّانَةً لَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ النَّكِرَةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِكُلَّمَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا أَكَلَتْ رُمَّانَةً مَرَّةً وَنِصْفَ رُمَّانَةٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ فَأَكَلَتْ نِصْفَيْ رُمَّانَتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ أَكَلَتْ أَلْفَ حَبَّةٍ مَثَلًا مِنْ أَلْفِ رُمَّانَةٍ، وَإِنْ زَادَ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُمَّانَةٍ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ رُمَّانَةً. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت نِصْفَهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت رُبْعَهُ، فَأَكَلَتْ الرَّغِيفَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت رَجُلًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كَلَّمْت فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ زَيْدًا وَكَانَ فَقِيهًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ زَوَالِ شَمْسِ الْيَوْمِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَلَّاهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَقَعَ الطَّلَاقُ.
المتن: وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ، فَإِذَا قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي أَوْ إنْ خَرَجْت أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ، وَيَقَعُ الْآخَرُ إنْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ.
الشَّرْحُ: (وَالْحَلِفُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ سُكُونُهَا لُغَةً: الْقَسَمُ وَهُوَ (بِالطَّلَاقِ) أَوْ غَيْرِهِ (مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ) عَلَى فِعْلٍ (أَوْ مَنْعٍ) مِنْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ) ذَكَرَهُ الْحَالِفُ أَوْ غَيْرُهُ لِيُصَدَّقَ الْحَالِفُ فِيهِ (فَإِذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ) أَوْ إذَا (حَلَفْت بِطَلَاقٍ) مِنْك (فَأَنْتِ طَالِقٌ) هَذَا مِثَالٌ لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الْحَلِفِ (ثُمَّ قَالَ) بَعْدَ هَذَا (إنْ لَمْ تَخْرُجِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا مِثَالٌ لِحَثِّهَا عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ (أَوْ إنْ خَرَجْت) فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا مِثَالٌ لِمَنْعِهَا مِنْ الْفِعْلِ (أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَهَذَا مِثَالٌ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ) فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ حَالًا لِأَنَّ مَا قَالَهُ حَلِفٌ بِأَقْسَامِهِ السَّابِقَةِ كَمَا تَقَرَّرَ (وَيَقَعُ الْآخَرُ) مَآلًا (إنْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ) وَبَقِيَتْ الْعِدَّةُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِالْحَلِفِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الْحُجَّاجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالْحَلِفِ (إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الْحُجَّاجُ) أَوْ نَحْوُهُ كَأَنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ) إذْ لَا حَثَّ فِيهِ وَلَا مَنْعَ وَلَا تَحْقِيقَ خَبَرٍ بَلْ هُوَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ عَلَى صِفَةٍ، فَإِذَا وُجِدَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْحُجَّاجِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ انْقَطَعَ لِعُذْرٍ لَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ وَهَلْ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْأَكْثَرِ أَوْ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ أَوْ إلَى جَمِيعِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ احْتِمَالَانِ ا هـ. وَأَظْهَرُهُمَا الثَّانِي. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَصَدَ مَنْعَهُ وَهُوَ مِمَّنْ يُبَالِي بِحَلِفِهِ فَحَلَفَ، وَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلِ مَنْ لَا يُبَالِي بِحَلِفِهِ كَالسُّلْطَانِ فَتَعْلِيقٌ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ فَأَنْكَرَهُ وَادَّعَتْهُ، فَقَالَ إنْ طَلَعَتْ: فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَلَفَ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَتْ: لَمْ تَطْلُعْ، فَقَالَ: إنْ لَمْ تَطْلُعْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ التَّحْقِيقُ فَهُوَ حَلِفٌ، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ أَرْبَعًا وَقَعَ بِالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الْأُولَى، وَبِالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ بِحُكْمِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةِ، وَبِالرَّابِعَةِ طَلْقَةٌ بِحُكْمِ الثَّالِثِ وَتَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ.
المتن: وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتهَا فَقَالَ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَاضِيًا وَرَاجَعْت صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ الْتِمَاسًا لِإِنْشَاءٍ فَقَالَ نَعَمْ فَصَرِيحٌ وَقِيلَ كِنَايَةٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتهَا) أَيْ زَوْجَتَك (فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يُرَادِفُهَا كَأَجَلْ وَجَيْرٍ (فَإِقْرَارٌ) صَرِيحٌ (بِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ نَعَمْ طَلَّقْتُهَا، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت) طَلَاقًا (مَاضِيًا وَرَاجَعْت) بَعْدَهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَرَاجَعْت عَمَّا إذَا قَالَ أَبَنْتهَا وَجَدَّدْت النِّكَاحَ فَإِنَّ حُكْمَهُ كَمَا مَرَّ، فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَفُسِّرَ بِذَلِكَ (وَإِنْ قِيلَ) لَهُ (ذَلِكَ) الْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَطَلَّقْت زَوْجَتَك (الْتِمَاسًا لِإِنْشَاءٍ فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يُرَادِفُهَا (فَصَرِيحٌ) فِي الْإِيقَاعِ حَالًا؛ لِأَنَّ نَعَمْ وَنَحْوَهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَلَّقْتُهَا الْمُرَادِ لِذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ (وَقِيلَ) هُوَ (كِنَايَةٌ) يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ نَعَمْ لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مِنْ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قِيلَ: الْأَوَّلُ مُشْكِلٌ لِحَصْرِهِمْ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَبِقَوْلِهِمْ إنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَصِيرُ صَرِيحًا بِالْتِمَاسِ طَلَاقٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ طَلَّقْتُهَا، وَلِهَذَا كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ هَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نَعَمْ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ طَلَّقْت فَهُوَ صَرِيحٌ قَطْعًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى طَلَّقْت فَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ نَعَمْ تَتَعَيَّنُ لِلْجَوَابِ، وَقَوْلُهُ طَلَّقْت مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً طَلَّقْت، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقِيلَ كَنَعَمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ: كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ جَهِلَ حَالَ السُّؤَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ، كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ فَعَلْت كَذَا فَأَنْكَرَ، فَقَالَ: إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُك طَالِقٌ، فَقَالَ: نَعَمْ وَكَانَ قَدْ فَعَلَهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ: كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَجَعَلَهُ الْبَغَوِيّ اسْتِدْعَاءَ طَلَاقٍ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْت امْرَأَتَك مُسْتَدْعِيًا مِنْهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ: نَعَمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَوْ قِيلَ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَامْرَأَتُك طَالِقٌ، فَقَالَ: نَعَمْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَك زَوْجَةٌ، فَقَالَ: لَا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَفَقُّهًا مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَأَنَّ لَهَا تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقَهَا، وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَصْفُونِيُّ وَالْحِجَازِيُّ فِي اخْتِصَارِهِمَا كَلَامَ الرَّوْضَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْت ثَلَاثًا، فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ فَلَيْسَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ تَعْلِيقٍ أَوْ وَعْدٍ أَوْ مُخَاصَمَةٍ تَئُولُ إلَيْهِ، فَلَوْ فُسِّرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَا أَنْتِ لِي بِشَيْءٍ كَانَ لَغْوًا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى، وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ طَلُقَتْ.
المتن: عَلَّقَ بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ لَمْ يَقَعْ.
الشَّرْحُ: (فَصْلٌ) فِي أَنْوَاعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ، إذَا (عَلَّقَ) طَلَاقَ زَوْجَتِهِ (بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ) عَيَّنَ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْ لَا كَإِنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبَقِيَ) مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَكْلِهَا لَهُ (لُبَابَةٌ) مِنْ الرَّغِيفِ تَقَعُ مَوْقِعًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (أَوْ حَبَّةٌ) مِنْ الرُّمَّانَةِ (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا لَمْ تَأْكُلْ الرَّغِيفَ أَوْ الرُّمَّانَةَ وَإِنْ تَسَامَحَ أَهْلُ الْعُرْفِ فِي إطْلَاقِ أَكْلِ الرَّغِيفِ أَوْ الرُّمَّانَةِ فِي ذَلِكَ، أَمَّا اللُّبَابَةُ الَّتِي لَا تَقَعُ مَوْقِعًا كَفُتَاتِ الْخُبْزِ الَّذِي يُدَقُّ مُدْرَكُهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي بِرٍّ وَلَا حِنْثٍ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِكِسْرَةٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الرُّمَّانَةِ فِيمَا إذَا بَقِيَ بَعْضُ حَبَّةٍ وَفِي التَّمْرَةِ الْمُعَلَّقِ بِأَكْمَلِهَا إذَا بَقِيَ قَمَعَهَا أَوْ شَيْءٌ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرْكِهِ.
المتن: وَلَوْ أَكَلَا تَمْرًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلَّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ بِأَكْلِ بَعْضٍ وَرَمْيِ بَعْضٍ لَمْ يَقَعْ.
الشَّرْحُ: فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ أَكَلْت أَكْثَرَ مِنْ رَغِيفٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ حَنِثَ بِأَكْلِهَا رَغِيفًا وَأَدَمًا، أَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت الْيَوْمَ إلَّا رَغِيفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكَلَتْ رَغِيفًا وَفَاكِهَةً حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ لَبِسْت قَمِيصَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِلُبْسِهِمَا وَلَوْ مُتَوَالِيَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ مَثَلًا، إنْ بِتّ عِنْدَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَاتَ عِنْدَهَا بَقِيَّةَ اللَّيْلِ حَنِثَ لِلْقَرِينَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى الْمَبِيتُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ نِمْت عَلَى ثَوْبٍ لَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَوَسَّدَ مِخَدَّتَهَا مَثَلًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ قَتَلْت زَيْدًا غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَهُ الْيَوْمَ وَمَاتَ مِنْهُ غَدًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْفِعْلُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّوحِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ كَانَ عِنْدَك نَارٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ حَنِثَ بِوُجُودِ السِّرَاجِ عِنْدَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ جُعْت يَوْمًا فِي بَيْتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاعَتْ يَوْمًا بِصَوْمٍ لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاعَتْ يَوْمًا بِلَا صَوْمٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُك أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ كَانَتْ، زِنْجِيَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}: نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِالْحُسْنِ الْجَمَالَ وَكَانَتْ قَبِيحَةَ الشَّكْلِ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ قَصَدْتُك بِالْجِمَاعِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ هِيَ فَجَامَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ قَصَدْت جِمَاعَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ فَجَامَعَهَا حَنِثَ (وَلَوْ أَكَلَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (تَمْرًا) مَثَلًا (وَخَلَطَا نَوَاهُمَا، فَقَالَ) الزَّوْجُ لَهَا فَوْرًا أَمْ لَا (إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاكِ) أَيْ نَوَى مَا أَكَلْته عَنْ نَوَى مَا أَكَلْته (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا) بِحَيْثُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ أُخْرَى (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ نَوَى أَحَدِهِمَا (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا) لِنَوَاهَا عَنْ نَوَاهُ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا فَعَلَتْ بَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُلَقَّنِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَحِيلِ عَادَةً لِتَعَذُّرِهِ، وَفِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِنَوَايَ أَوْ إنْ لَمْ تُشِيرِي إلَى نَوَايَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَالطَّرِيقُ فِي الْخَلَاصِ أَنْ تَعُدَّ النَّوَى عَلَيْهِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَتَقُولُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ هَذِهِ نَوَاتُكَ (وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ) مَثَلًا (فَعَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا) كَقَوْلِهِ: إنْ بَلَعْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَمَيْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ أَمْسَكْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبَادَرَتْ مَعَ) أَيْ عَقِبَ (فَرَاغِهِ) مِنْ التَّعْلِيقِ (بِأَكْلِ بَعْضٍ) مِنْهَا (وَرَمْيِ بَعْضٍ) مِنْهَا (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْبَعْضِ وَرَمْيَ الْبَعْضِ مُغَايِرٌ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِاشْتِرَاطِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الشَّرْطُ الْمُبَادَرَةُ بِأَحَدِهِمَا، وَأَشَارَ بِثُمَّ إلَى اشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ يَمِينِ الْإِمْسَاكِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَوَسَّطَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حَنِثَ، وَلَا حَاجَةَ لِثُمَّ فِي يَمِينِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَمِينِ الِابْتِلَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ الْحِنْثِ الْمُبَادَرَةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُبَادِرْ كَانَتْ، مُمْسِكَةً فَيَحْصُلُ الْحِنْثُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ الْحِنْثَ بِأَكْلِ جَمِيعِهَا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الِابْتِلَاعَ أَكْلٌ، قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَهُوَ وَاضِحٌ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ إذَا ذَكَرَ التَّمْرَةَ فِي يَمِينِهِ. فَإِنَّ الْأَكْلَ فِيهِ مَضْغٌ يُزِيلُ اسْمَ التَّمْرَةِ فَلَمْ تَبْلُغْ تَمْرَةً، وَأَمَّا عَكْسُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ أَكَلْت فَابْتَلَعَتْ، فَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْأَكْلِ فَابْتَلَعَتْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: ابْتَلَعَ وَلَمْ يَأْكُلْ، وَوَقَعَ لَهُ كَأَصْلِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَكْسُ هَذَا. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ، وَالْبَلْعُ لَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْبَلْعُ فِيهِ يُسَمَّى أَكْلًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ.
المتن: وَلَوْ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهِيَ عَلَى سُلَّمٍ بِالصُّعُودِ وَبِالنُّزُولِ ثُمَّ بِالْمُكْثِ فَوَثَبَتْ أَوْ انْتَقَلَتْ إلَى سُلَّمٍ آخَرَ، أَوْ اضْطَجَعَ السُّلَّمُ وَهِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَتَقُومُ مِنْ مَوْضِعِهَا أَوْ حُمِلَتْ وَصَعَدَ بِهَا الْحَامِلُ أَوْ نَزَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَوْرًا فِي الْجَمِيعِ لَمْ تَطْلُقْ، أَمَّا لَوْ حُمِلَتْ بِأَمْرِهَا فَيَحْنَثُ، نَعَمْ إنْ حَمَلَهَا بِلَا صُعُودٍ وَنُزُولٍ بِأَنْ يَكُونَ وَاقِفًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا أَثَرَ لِأَمْرِهَا.
المتن: اتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ سَرَقْت مَا سَرَقْت لَمْ تَطْلُقْ.
الشَّرْحُ: وَإِنْ (اتَّهَمَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ (بِسَرِقَةٍ، فَقَالَ) لَهَا (إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي) فِي أَمْرِ هَذِهِ السَّرِقَةِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ) لَهُ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، (سَرَقْت) وَالْآخَرُ (مَا سَرَقْت لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا فَالْخَلَاصُ أَنْ تَذْكُرَ عَدَدًا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ ثُمَّ تَزِيدَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَبْلُغَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ، وَالصُّورَتَانِ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) لَهَا: (إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي) صَادِقَةً (بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَالْخَلَاصُ) مِنْ الْيَمِينِ (أَنْ تَذْكُرَ) لَهُ (عَدَدًا يُعْلَمُ أَنَّهَا) أَيْ الرُّمَّانَةَ (لَا تَنْقُصُ عَنْهُ) كَمِائَةٍ (ثُمَّ تَزِيدَ وَاحِدًا وَاحِدًا) فَتَقُولَ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَاثْنَانِ وَهَكَذَا (حَتَّى تَبْلُغَ مَا) أَيْ عَدَدًا لِلرُّمَّانَةِ (يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ) أَيْ انْتَهَتْ إلَيْهِ مِنْ عَدَدِ حَبِّهَا فَتَكُونُ مُخْبِرَةً بِعَدَدِهَا (وَالصُّورَتَانِ) هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا (فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا) فَإِنْ قَصَدَهُ لَمْ تَخْلُصْ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا ذَكَرَتْهُ. فَإِنْ قِيلَ: الشِّقُّ الْأَوَّلُ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ يَعُمُّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالسَّارَّ وَغَيْرَهُ، فَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ مَنْ أَخْبَرَتْنِي مِنْكُنَّ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهِيَ كَاذِبَةٌ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ طَلُقَتْ. أُجِيبَ بِأَنَّ لِلرُّمَّانَةِ وَنَحْوِهَا عَدَدًا خَاصًّا وَقَدْ عَلَّقَ بِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَتْهُ بِعَدَدِ حَبِّهَا كَاذِبَةً لَمْ تُخْبِرْ بِهِ بِخِلَافِ قُدُومِ زَيْدٍ فَيَصْدُقُ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ، وَأَمَّا الْبِشَارَةُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْخَبَرِ الْأَوَّلِ السَّارِّ الصَّادِقِ قَبْلَ الشُّعُورِ، فَإِذَا قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي مِنْكُنَّ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ ثَانِيًا بَعْدَ إخْبَارِ غَيْرِهَا أَوْ كَانَ غَيْرَ سَارٍّ بِأَنْ كَانَ بِسُوءٍ أَوْ وَهِيَ كَاذِبَةٌ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ، نَعَمْ مَحَلُّ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ سَارًّا إذَا أَطْلَقَ، كَقَوْلِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِخَبَرٍ أَوْ أَمْرٍ عَنْ زَيْدٍ، فَإِنْ قَيَّدَ كَقَوْلِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ اكْتَفَى بِصِدْقِ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ كَارِهًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تَعُدِّي جَوْزَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْحِنْثِ بِأَنْ تَفْعَلَ مَا ذَكَرَ آنِفًا، وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ تَبْتَدِئَ مِنْ الْوَاحِدِ وَتَزِيدَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَبْدَأْ بِالْوَاحِدِ لَهُ تَعُدَّ جَوْزَهَا. فُرُوعٌ: لَوْ سَقَطَ حَجَرٌ مِنْ عُلُوٍّ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي السَّاعَةَ مَنْ رَمَاهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُرِدْ تَعْيِينًا، فَقَالَتْ: مَخْلُوقٌ لَا آدَمِيٌّ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ بِالْإِخْبَارِ، وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهَا رَمَاهُ آدَمِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَاهُ كَلْبٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحِنْثِ وُجِدَ وَشَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ، وَشُبِّهَ بِمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ، فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ تُعْرَفْ مَشِيئَتُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أَقُلْ كَمَا تَقُولِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ أَنْتِ قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهِيَ فِي مَاءٍ جَارٍ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَبِاللُّبْثِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ خَرَجْت مِنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لَبِثْتِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ خَرَجَتْ أَوْ لَبِثَتْ لِأَنَّهُ بِجَرَيَانِهِ يُفَارِقُهَا، فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ تُحْمَلَ مِنْهُ فَوْرًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ أَرَقْت مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ شَرِبْته أَنْتِ أَوْ غَيْرُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ إنْ تَرَكْته فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَّتْ بِهِ خِرْقَةً وَضَعَتْهَا فِيهِ أَوْ بَلَّتْهَا بِبَعْضِهِ أَوْ شَرِبَتْ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا بَعْضَهُ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَالَفْت أَمْرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَفَتْ نَهْيَهُ كَأَنْ قَالَ لَهَا: لَا تَقُومِي فَقَامَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ دُونَ أَمْرِهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ بِسَبَبِ الْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَالَفْت نَهْيِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَفَتْ أَمْرَهُ، كَأَنْ قَالَ: قُومِي فَرَقَدَتْ طَلُقَتْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهَذَا فَاسِدٌ، إذْ لَيْسَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ فِيمَا يَخْتَارُهُ، وَإِنْ كَانَ: أَيْ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ. فَالْيَمِينُ لَا تُبْنَى عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: زَنَيْت فَأَنْكَرَتْ، فَقَالَ: إنْ كُنْت زَنَيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ حَالًا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَلَوْ قِيلَ لِزَانٍ: زَنَيْت، فَقَالَ: مَنْ زَنَى فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ قَصَدَ ذَمَّ الزَّانِي لَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ: مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ: أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَثَالِثَةٌ إحْدَى عَشْرَةَ: أَيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ) مِنْ زَوْجَاتِهِ (مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي) مِنْكُنَّ (بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) فَهِيَ طَالِقٌ (فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ فَرَائِضِهَا (سَبْعَ عَشْرَةَ) رَكْعَةً بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ (وَ) قَالَتْ (أُخْرَى) أَيْ ثَانِيَةً مِنْهُنَّ (خَمْسَ عَشْرَةَ: أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَ) قَالَتْ (ثَالِثَةٌ) مِنْهُنَّ (إحْدَى عَشْرَةَ: أَيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ) عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلَاقٌ لِصِدْقِ الْكُلِّ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ عَيْنًا فَالْحَلِفُ عَلَى مَا أَرَادَهُ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: لِزَوْجَتِهِ: إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَذِنَ لَهَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَوْ كَانَتْ، مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً فَخَرَجَتْ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ إنْ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْتِ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت لَابِسَةً ثَوْبَ حَرِيرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ ثَوْبِ حَرِيرٍ ثُمَّ خَرَجَتْ لَابِسَةً ثَوْبَ حَرِيرٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقِ أَنَّ خُرُوجَهَا بِلَا ثَوْبِ حَرِيرٍ لَمْ تَنْحَلَّ بِهِ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الصِّفَةِ فَحَنِثَ فِي الثَّانِي بِخِلَافِ هَذِهِ، وَلَوْ أَذِنَ ثُمَّ رَجَعَ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْمَنْعِ لَمْ يَحْنَثْ لِحُصُولِ الْإِذْنِ، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَيُّ مَرَّةٍ خَرَجَتْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ، وَخَلَاصُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَذِنْت لَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَتَى شِئْت أَوْ كُلَّمَا شِئْت، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَرَجْت لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ ثُمَّ عَدَلَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ عَدَلَتْ إلَيْهِ، وَلَوْ خَرَجَتْ لَهُمَا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا: أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ. وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَيْمَانِ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِهِ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ الْخُرُوجُ لِمَقْصُودٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْحَمَّامِ، وَهَذَا الْحَمَّامُ مَقْصُودٌ بِالْخُرُوجِ، وَقَدْ حَاوَلَ شَيْخُنَا بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِحَلِفِهِ الْخُرُوجَ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَقَطْ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِحَلِفِهِ شَيْئًا فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى الْخُرُوجِ لَهُمَا أَنَّهُ خُرُوجُ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهُمَا خُرُوجٌ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّنَاقُضِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا مَعَ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَا لَكِنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِخُطُوَاتٍ، أَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا إلَّا بِمُوجِبٍ فَشَتَمَتْهُ فَضَرَبَهَا بِسَوْطٍ مَثَلًا لَمْ تَطْلُقْ لِلْعُرْفِ فِي الْأُولَى، وَلِضَرْبِهِ لَهَا بِمُوجِبٍ فِي الثَّانِيَةِ، إذْ الْمُرَادُ فِيهَا بِالْمُوجِبِ مَا تَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ عَلَيْهِ تَأْدِيبًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالٍ زَيْدٍ فَأَضَافَهُ أَوْ نَثَرَ مَأْكُولًا فَالْتَقَطَهُ أَوْ خَلَطَا زَادَيْهِمَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ الطَّعَامَ قُبَيْلِ الِازْدِرَادِ، وَالْمُلْتَقِطُ يَمْلِكُ الْمَلْقُوطَ بِالْأَخْذِ، فَالْخَلْطُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ مَا دَامَ فِيهَا فَانْتَقَلَ مِنْهَا وَعَادَ إلَيْهَا ثُمَّ دَخَلَهَا الْحَالِفُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ بِالِانْتِقَالِ مِنْهَا؛ نَعَمْ إنْ أَرَادَ كَوْنَهُ فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَخْرُجِي اللَّيْلَةَ مِنْ دَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَالَعَهَا بِنَفْسِهَا أَوْ أَجْنَبِيٍّ فِي اللَّيْلِ وَإِنْ تَمَكَّنَتْ قَبْلَهُ مِنْ الْخُرُوجِ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا أَوْ لَمْ يُجَدِّدْهُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ تَطْلُقْ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلَمْ يَمْضِ اللَّيْلُ كُلُّهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ وَقَالَ: تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ خَطَأٌ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ: إنَّ الصَّوَابَ مَا أَفْتَى بِهِ أَوَّلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ حِينٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ) إلَى (زَمَانٍ) أَيْ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِلَى فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى بَعْدَ (أَوْ بَعْدَ حِينٍ) أَوْ زَمَانٍ (طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ. قَالَ تَعَالَى: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ}: قِيلَ: أَرَادَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ، وَهِيَ الَّتِي بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهُ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ لَمْ يَحْنَثْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ، وَلَأَقْضِيَنَّ وَعْدٌ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: الْعَصْرُ وَالدَّهْرُ، وَهُوَ الزَّمَنُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْوَقْتُ وَالْآنُ، وَالْحِقَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ كَالزَّمَانِ وَالْحِينِ فِيمَا مَرَّ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ. أَمَّا الْحُقُبُ بِضَمِّ الْقَافِ فَهُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا صُمْت زَمَانًا حَنِثَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا صُمْت، وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ أَزْمِنَةً كَفَاهُ صَوْمُ يَوْمٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَزْمِنَةٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ الْأَيَّامَ كَفَاهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ كَانَ يُعَذِّبُ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَوْ اتَّهَمَتْهُ زَوْجَتُهُ بِاللِّوَاطِ فَحَلَفَ لَا يَأْتِي حَرَامًا حَنِثَ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَخْرُجِينَ مِنْ الصُّفَّةِ أَيْضًا لَغَا الْأَخِيرُ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا عَطْفَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْبَحْرِ، أَوْ فِي مَكَّةَ، أَوْ فِي الظِّلِّ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْتَظَرُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ.
المتن: وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ تَنَاوَلَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، بِخِلَافِ ضَرْبِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ) مَثَلًا كَإِنْ رَأَيْته فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ) كَإِنْ لَمَسْته أَوْ قَذَفْته فَأَنْتِ طَالِقٌ (تَنَاوَلَهُ) التَّعْلِيقُ (حَيًّا وَمَيِّتًا) فَيَحْنَثُ بِرُؤْيَةِ الْمَيِّتِ، وَمَسِّ بَشَرَتِهِ، لِصِدْقِ الِاسْمِ فِي الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْحَيِّ، وَلِهَذَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ مَاسِّهِ، وَخَرَجَ بِالْبَشَرَةِ مَسُّهُ بِحَائِلٍ، وَمَسُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَسِنِّهِ، وَيَكْفِي فِي الرُّؤْيَةِ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَلَوْ غَيْرِ وَجْهِهِ، وَلَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى أَوْ وَهُوَ سَكْرَانُ، وَلَوْ كَانَ الْمَرْئِيُّ فِي مَاءٍ صَافٍ وَزُجَاجٍ وَشَفَّافٍ لَا خَيَالَ فِيهِمَا طَلُقَتْ لِوُجُوبِ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مُتَّزِرٌ بِثَوْبٍ، أَوْ مَاءٍ كَدِرٍ، أَوْ زُجَاجٍ كَثِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ بِرُؤْيَتِهَا خَيَالَهُ فِي الْمِرْآةِ. نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا وَجْهَهَا فَرَأَتْهُ فِي الْمِرْآةِ طَلُقَتْ إذْ لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَتُهُ إلَّا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهِ وَجْهَهُ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا ذُكِرَ صِدْقُ رُؤْيَةِ كُلِّهِ عُرْفًا، فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ: أَمَّا لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ مِنْ كُوَّةٍ فَرَأَتْ ذَلِكَ الْعُضْوَ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ، عَمْيَاءَ وَأُيِسَ مِنْ بُرْئِهَا عَادَةً كَمَنْ تَرَاكَمَ عَلَى عَيْنَيْهَا الْبَيَاضُ أَوْ عَارِيًّا، أَوْ وُلِدَتْ عَمْيَاءَ فَتَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا الْهِلَالَ حُمِلَ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهَا لَهُ، أَوْ بِتَمَامِ الْعَدَدِ فَتَطْلُقُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ {صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ} بِخِلَافِ رُؤْيَةِ زَيْدٍ مَثَلًا، فَقَدْ يَكُونُ الْغَرَضُ زَجْرُهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ، أَوْ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ فَاسِقٌ وَصَدَّقَهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مُؤَاخَذَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالرُّؤْيَةِ الْمُعَايَنَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِرُؤْيَةِ عَمْيَاءَ فَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ يُدَيَّنُ، فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْمُعَايَنَةِ وَمَضَى ثَلَاثُ لَيَالٍ وَلَمْ تَرَ فِيهَا الْهِلَالَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ تَسْتَقْبِلُهُ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَعْدَهَا هِلَالًا (بِخِلَافِ ضَرْبِهِ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ، كَإِنْ ضَرَبْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَتْهُ وَهُوَ مَيِّتٌ لِانْتِفَاءِ الْأَلَمِ، أَوْ هُوَ حَيٌّ طَلُقَتْ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ أَوْ وَكْزٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إنْ آلَمَ الْمَضْرُوبَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤْلِمْهُ، أَوْ عَضَّهُ، أَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا فِي الْأَيْمَانِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ ضَرَبَهُ فَلَمْ يُؤْلِمْهُ. فُرُوعٌ: لَوْ عَلَّقَ بِتَكْلِيمِهَا زَيْدًا فَكَلَّمَتْهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ سُكْرًا يَسْمَعُ مَعَهُ وَيَتَكَلَّمُ، وَكَذَا إنْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى لَا السُّكْرُ الطَّافِحُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ مِمَّنْ يُكَلِّمُ غَيْرَهُ وَيَتَكَلَّمُ هُوَ عَادَةً، فَإِنْ كَلَّمَتْهُ فِي نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، أَوْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ، أَوْ كَلَّمَتْهُ بِهَمْسٍ، وَهُوَ خَفْضُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْمُخَاطَبُ، أَوْ نَادَتْهُ مِنْ مَكَان لَا يَسْمَعُ مِنْهُ، فَإِنْ فَهِمَهُ بِقَرِينَةٍ، أَوْ حَمَلَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِ وَسَمِعَ لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عَادَةً، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَا يَسْمَعُ لِذُهُولٍ مِنْهُ، أَوْ لِشُغْلٍ، أَوْ لَغَطٍ، وَلَوْ كَانَ لَا يُفِيدُ مَعَهُ الْإِصْغَاءُ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ، وَعَدَمُ السَّمَاعِ لِعَارِضٍ، وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ فَكَلَّمَتْهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمٍ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ لَسَمِعَ فَقِيلَ: يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَإِنْ تَعَذَّرَ السَّمَاعُ لِأَمْرٍ بِهِ فَأَشْبَهَ شُغْلَ قَلْبِهِ، وَصَحَّحَ هَذَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي ثَمَّ عَنْ النَّصِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُكَلِّمْهُ عَادَةً فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْهَمْسِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ. وَالثَّانِي: عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مَعَ رَفْعِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت نَائِمًا أَوْ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت مَيِّتًا أَوْ حِمَارًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ حَائِطًا مَثَلًا وَهُوَ يَسْمَعُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُكَلِّمْهُ. وَالثَّانِي: تَطْلُقُ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْكَلَامِ دُونَ الْحَائِطِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ أَبَاهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهَا أَوْ زَوْجَهَا طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، فَإِنْ قَالَ قَصَدْت مَنْعَهَا مِنْ مُكَالَمَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِتَكْلِيمِ أَحَدِهِمَا، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، فَلَا يَقَعُ بِتَكْلِيمِ الْآخَرِ شَيْءٌ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِكَلَامِهِمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ إنْ كَلَّمَتْ زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا أَوْ زَيْدًا فَعَمْرًا اُشْتُرِطَ تَكْلِيمُ زَيْدٍ أَوَّلًا وَتَكْلِيمُ عَمْرٍو بَعْدَهُ مُتَرَاخِيًا فِي الْأُولَى وَعَقِبَ كَلَامِ زَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: الْأَصْحَابُ إلَّا الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَمِيلُونَ فِي التَّعْلِيقِ إلَى تَقْدِيمِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ كَمَا مَرَّ فِي إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَايَ مِنْ نَوَاك، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ التَّفْرِيقُ، وَمَعْنَاهُ الْعُرْفِيَّ التَّعْيِينُ، هَذَا إنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ، فَإِنْ اطَّرَدَ عُمِلَ بِهِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ، وَعَلَى النَّاظِرِ التَّأَمُّلُ وَالِاجْتِهَادُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ بَلْ يَأْتِي عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ مَا يَأْتِي فِي الْخَسِيسِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُشْبِهُ. . إلَخْ.
المتن: وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ فَقَالَ إنْ كُنْت كَذَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ، أَوْ التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي الْأَصَحِّ، وَالسَّفَهُ مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، وَالْخَسِيسُ. قِيلَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا.
الشَّرْحُ: . ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَوْصَافٍ تَجْرِي فِي مُخَاصَمَةِ الزَّوْجَيْنِ وَيُعَلَّقُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَقَالَ: (وَلَوْ خَاطَبَتْهُ) زَوْجَتُهُ (بِمَكْرُوهٍ) مِنْ الْقَوْلِ (كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ، فَقَالَ) لَهَا (إنْ كُنْت كَذَاك) أَيْ سَفِيهًا أَوْ خَسِيسًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ) بِذَلِكَ (مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ) أَيْ إغَاظَتَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا أَغَاظَتْهُ بِالشَّتْمِ الْمَكْرُوهِ، وَالْمَعْنَى إنْ كُنْت كَذَلِكَ فِي زَعْمِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (طَلُقَتْ) حَالًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ) أَوْ خِسَّةٌ (أَوْ) أَرَادَ (التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ) كَمَا هُوَ سَبِيلُ التَّعْلِيقَاتِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَمْ تَطْلُقْ (وَكَذَا) تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ (إنْ) أَطْلَقَ بِأَنْ (لَمْ يَقْصِدْ) شَيْئًا (فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِوَضْعِ اللَّفْظِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ عَدَمِهَا. وَالثَّانِي: لَا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ حَمْلًا عَلَى الْمُكَافَأَةِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُرَاعِي الْوَضْعَ أَوْ الْعُرْفَ (وَالسَّفَهُ) الْمُعَلَّقُ بِهِ كَمَا هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ (مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ) فَهُوَ صِفَةٌ لَا يَكُونُ الشَّخْصُ مَعَهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْعُرْفُ فِي زَمَنِنَا جَارٍ بِأَنَّهُ ذُو اللِّسَانِ الْفَاحِشِ الْمُوَاجِهُ بِمَا يَسْتَحِي مِنْهُ غَالِبُ النَّاسِ، فَالْوَجْهُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ السَّفَهَ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَدُلُّ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ بِأَنْ خَاطَبَهَا بِمَا فِيهِ فُحْشٌ مِنْ الْقَوْلِ فَخَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ مُشِيرَةً إلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ ا هـ. وَالْمُتَّجِهُ أَنَّ السَّفِيهَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَا إلَى مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا إنْ ادَّعَاهُ وَكَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ. وَأَمَّا الْعَاصِي فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَا قَالَهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ (وَالْخَسِيسُ. قِيلَ) أَيْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ (مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ) أَيْ تَرَكَ دِينَهُ لِاشْتِغَالِهِ بِدُنْيَاهُ. قَالَ: وَأَخَسُّ الْأَخِسَّاءِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا مِنْ نَفْسِهِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ (وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ) فِي مَعْنَى الْخَسِيسِ (هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا) بِمَا يَلِيقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ يَتَعَاطَاهُ تَوَاضُعًا، وَالْقَوَّادُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمْعًا حَرَامًا وَإِنْ كُنَّ غَيْرَ أَهْلِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَكَذَا مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْدِ، وَالْقَرْطَبَانُ مَنْ يَسْكُتُ عَلَى الزَّانِي بِامْرَأَتِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَحَارِمُهُ وَنَحْوَهُنَّ، وَالدَّيُّوثُ بِالْمُثَلَّثَةِ مَنْ لَا يَمْنَعُ الدَّاخِلَ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ الدُّخُولِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَارِمَهُ وَإِمَاءَهُ كَزَوْجَتِهِ لِلْعُرْفِ. وَقَلِيلُ الْحَمِيَّةِ مَنْ لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَحَارِمِهِ وَنَحْوِهِنَّ، وَالْقَلَّاشُ الذَّوَّاقُ لِلطَّعَامِ كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ، وَالْبَخِيلُ مَانِعُ الزَّكَاةِ وَمَنْ لَا يُقْرِي الضَّيْفَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا بَخِيلٌ، وَمَنْ قِيلَ لَهُ يَا زَوْجَ الْقَحْبَةِ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ، زَوْجَتِي كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ قَصَدَ التَّخَلُّصَ مِنْ عَارِهَا، كَمَا لَوْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ. وَالْقَحْبَةُ هِيَ الْبَغِيُّ، والجهودوري مَنْ قَامَ بِهِ الذِّلَّةُ أَوْ الْخَسَاسَةُ، وَقِيلَ: مَنْ قَامَ بِهِ صُفْرَةُ الْوَجْهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ الْمُسْلِمُ لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهَا، فَإِنْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ بِهَا طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَالْكَوْسَجُ مَنْ قَلَّ شَعْرُ وَجْهِهِ وَعُدِمَ شَعْرُ عَارِضَيْهِ، وَالْأَحْمَقُ مَنْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ، وَقِيلَ: مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِعَقْلِهِ، وَقِيلَ: مَنْ يَعْمَلُ مَا يَضُرُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ، وَالْغَوْغَاءُ مَنْ يُخَالِطُ الْأَرَاذِلَ وَيُخَاصِمُ النَّاسَ بِلَا حَاجَةٍ، وَالسِّفْلَةُ مَنْ يَعْتَادُ دَنِيءَ الْأَفْعَالِ لَا نَادِرًا، فَإِذَا وَصَفَتْ زَوْجَهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا إنْ كُنْت كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قَصَدَ مُكَافَأَتَهَا طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ وُجُودُ الصِّفَةِ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: كَمْ تُحَرِّكُ لِحْيَتَك فَقَدْ رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ كِنَايَةٌ عَنْ الرُّجُولِيَّةِ وَالْفُتُوَّةِ وَنَحْوَهَا، وَإِنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى الْمُكَافَأَةِ طَلُقَتْ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ وُجُودُ الصِّفَةِ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: أَنَا أَسْتَنْكِفُ مِنْك، فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَسْتَنْكِفُ مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ فَظَاهِرُهُ الْمُكَافَأَةُ فَتَطْلُقُ حَالًا إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ: أَنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ظَاهِرًا، فَإِنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قَالَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ظَاهِرًا، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ عَدَمُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُكَافَأَةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَإِنْ أَذْنَبَ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ، وَلَوْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ إمَامَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَحْنَثْ تَشْبِيهًا بِمَسْأَلَةِ الْغُرَابِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ قَدْ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْآخَرُ، وَلَوْ حَلَفَ سُنِّيٌّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ، وَعَكَسَ الرَّافِضِيُّ حَنِثَ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ حَلَفَ السُّنِّيُّ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَلَفَ الْمُعْتَزِلِيُّ أَنَّهُمَا مِنْ الْعَبْدِ حَنِثَ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُمَا مِنْ اللَّهِ، وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَنْبَلِيِّ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَعَكَسَ الْأَشْعَرِيُّ. فَقَالَ: إنْ أَرَادَ الْحَنْبَلِيُّ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ. خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ دَيْنِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ دَيْنِكِ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ فَعَلْت مَعْصِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِتَرْكِ الطَّاعَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ، وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ، فَقَالَ: إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْلَى مِنْ زَوْجَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِمَيْلِ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الزَّوْجَةُ فَلَا تَكُونُ أَحْلَى مِنْ نَفْسِهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يُخَاطِبُ غَيْرَهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْت أَمَتِي بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ فَاسْتَأْذَنَهَا فَقَالَتْ لَهُ: طَأْهَا فِي عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ إذْنًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا إنْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ كَانَ إذْنًا وَقَوْلُهَا فِي عَيْنِهَا يَكُونُ تَوَسُّعَا لَهُ فِي الْإِذْنِ لَا تَخَصُّصًا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الْبَيْتَ وَوَجَدْت فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِك وَلَمْ أَكْسِرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَ فِي الْبَيْتِ هَاوُنًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَقِيلَ تَطْلُقُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِلْيَأْسِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ غَسَلْت ثَوْبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَغَسَلَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ غَمَسَتْهُ هِيَ فِي الْمَاءِ تَنْظِيفًا لَهُ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْغَسْلُ بِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ كَالْأُشْنَانِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ قَبَّلْت ضَرَّتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِتَقْبِيلِ أُمِّهِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِتَقْبِيلِهَا مَيِّتَةً إذْ قُبْلَةُ الزَّوْجَةِ قُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْأُمُّ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ قُبْلَتَهَا قُبْلَةُ شَفَقَةٍ وَكَرَامَةٍ، أَكْرَمَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجَمِيعَ أَهْلِنَا وَمَشَايِخِنَا وَأَصْحَابِنَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
المتن: النِّكَاحُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ.
الشَّرْحُ: (كِتَابُ الرَّجْعَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ، وَهِيَ لُغَةً: الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ، وَشَرْعًا رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ. قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أَيْ فِي الْعِدَّةِ، {إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا} أَيْ رَجْعَةً: كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وقَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَالرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ مُفَسَّرَانِ بِالرَّجْعَةِ، {وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. {وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا} كَمَا مَرَّ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: مُرْتَجِعٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ سَبَبٌ لَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَ (شَرْطُ الْمُرْتَجِعِ: أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا غَيْرَ مُرْتَدٍّ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ كَإِنْشَاءِ النِّكَاحِ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِي الرِّدَّةِ وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ، وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ كَمَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: الِاحْتِرَازُ عَنْ الصَّبِيِّ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ طَلَاقِهِ حَتَّى يُقَالَ: لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ، وَتَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ تَصِحُّ رَجْعَتُهُ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ الْأَهْلِيَّةَ، وَإِنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَ مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةُ الْأَمَةِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِنِكَاحِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَصِحُّ مُرَاجَعَةُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ احْتَاجَا فِي النِّكَاحِ إلَيْهِ إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ عَتَقَتْ الرَّجْعِيَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا (وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا لَيْسَ بِوَجْهٍ بَلْ هُوَ بَحْثٌ لِلرَّافِعِيِّ جَزَمَ بِهِ الْجِيلِيُّ. أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ وُقُوفِ الْمُصَنِّفِ عَلَى نَقْلِ الْوَجْهَيْنِ
المتن: وَتَحْصُلُ بِرَاجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَارْتَجَعْتُك، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ صَرِيحَانِ، وَأَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ كِنَايَتَانِ، وَلْيَقُلْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ فَتَصِحُّ بِكِنَايَةٍ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَةُ وَفِي انْقِسَامِهَا إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ فَقَالَ: (وَتَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ مِنْ نَاطِقٍ (بِرَاجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَارْتَجَعْتُك) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرِيحَةٌ لِشُيُوعِهَا وَوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهَا، وَيَلْحَقُ بِهَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ مَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِهَا: كَقَوْلِهِ: أَنْتِ مُرَاجَعَةٌ أَوْ مُرْتَجَعَةٌ أَوْ مُسْتَرْجَعَةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِمَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ، سَوَاءٌ أَعَرِفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَضَافَ إلَيْهِ أَوْ إلَى نِكَاحِهِ كَقَوْلِهِ: إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي أَمْ لَا، لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ. تَنْبِيهٌ: لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ رَاجَعْت أَوْ ارْتَجَعْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ ذَلِكَ إلَى مُظْهَرٍ كَرَاجَعْتُ فُلَانَةَ أَوْ مُضْمَرٍ كَرَاجَعْتُكِ أَوْ مُشَارٍ إلَيْهِ كَرَاجَعْتُ هَذِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ) كَرَدَدْتُك أَوْ أَمْسَكْتُك، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ مَسَكْتُك (صَرِيحَانِ) فِي الرَّجْعَةِ أَيْضًا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أَيْ فِي الْعِدَّةِ {إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا} أَيْ رَجْعَةً: كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ) فِي قَوْلِ الْمُرْتَجِعِ تَزَوَّجْتُك أَوْ نَكَحْتُك (كِنَايَتَانِ) وَإِنْ جُوِّزَ الْعَقْدُ عَلَى صُورَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالثَّانِي: هُمَا صَرِيحَانِ؛ لِأَنَّهُمَا صَالِحَانِ لِلِابْتِدَاءِ فَلَأَنْ يَصْلُحَا لِلتَّدَارُكِ أَوْلَى (وَلْيَقُلْ) أَيْ الْمُرْتَجِعُ (رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي) حَتَّى يَكُونَ صَرِيحًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ ضِدُّ الْقَبُولِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّدُّ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ الْفِرَاقِ فَلَزِمَ تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ (وَالْجَدِيدُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي الرَّجْعَةِ (الْإِشْهَادُ) بِهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، وَلِذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْوَلِيِّ وَرِضَا الْمَرْأَةِ وَالْقَدِيمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَا لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، بَلْ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أَيْ عَلَى الْإِمْسَاكِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الرَّجْعَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} لِلْأَمْنِ مِنْ الْجُحُودِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ اُسْتُحِبَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ إقْرَارِهَا بِالرَّجْعَةِ خَوْفَ جُحُودِهَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ مَقْبُولٌ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَعَلَى الْجَدِيدِ (فَتَصِحُّ) الرَّجْعَةُ (بِكِنَايَةٍ) وَلِهَذَا أَتَى بِفَاءِ التَّفْرِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ، لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ الْكِتَابَةُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ كَالْكِنَايَةِ أَوْ لَا؟ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِاللَّفْظِ مِنْ الْقَادِرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَصِحُّ بِالصَّرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَصِحُّ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ أَوْ فَظُنُونٌ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ، وَبِالْكِتَابَةِ بِالْفَوْقِيَّةِ لِعَجْزِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجَةِ وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا وَلَا سَيِّدِهَا إذَا كَانَتْ، أَمَةً، وَيُسَنُّ إعْلَامُ سَيِّدِهَا (وَ) لَا تَسْقُطُ الرَّجْعَةُ بِالْإِسْقَاطِ
المتن: وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا، وَلَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ
الشَّرْحُ: (وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا) وَلَا تَأْقِيتًا كَالنِّكَاحِ، فَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك إنْ شِئْت لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَا يَضُرُّ رَاجَعْتُك إنْ شِئْت أَوْ أَنْ شِئْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ لَا تَعْلِيقٌ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَسْتَفْسِرَ الْجَاهِلُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ: رَاجَعْتُك شَهْرًا أَوْ زَمَنًا لَمْ يَصِحَّ لِمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ: مَتَى رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ لِمَنْ فِي نِكَاحِهِ: مَتَى طَلَّقْتُك وَرَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَرَاجَعَهَا صَحَّ الِارْتِجَاعُ وَطَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك لِلضَّرْبِ أَوْ لِلْإِكْرَامِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ إنْ قَصَدَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ، لَا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ دُونَ الرَّجْعَةِ فَيَضُرُّ فَيَسْأَلُ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَيَّنُ مَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السُّؤَالِ حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ (وَلَا تَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ بِإِنْكَارِ الزَّوْجِ طَلَاقَهَا لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا، وَلَا (بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ) وَمُقَدَّمَاتِهِ، وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ النِّكَاحُ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَيْفَ يَقْطَعُهَا نَعَمْ وَطْءُ الْكَافِرِ وَمُقَدَّمَاتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ رَجْعَةً وَأَسْلَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا فَنُقِرُّهُمْ كَمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ أَوْلَى، وَقَدْ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِنَايَاتِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ فِعْلٌ
المتن: وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ طَلُقَتْ بِلَا عِوَضٍ لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُ طَلَاقِهَا، بَاقِيَةٌ فِي الْعِدَّةِ، مَحِلٍّ لِحِلٍّ، لَا مُرْتَدَّةٍ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ فَقَالَ (وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ) لِأَنَّ لَا عِدَّةَ عَلَى غَيْرِهَا، وَالرَّجْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْعِدَّةِ قَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أَيْ فِي التَّرَبُّصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: يَتَرَبَّصْنَ تَنْبِيهٌ: شَمَلَ إطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الْقُبُلِ وَكَذَا فِي الدُّبُرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَتَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ مُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُنَّةِ، وَإِنْ صَحَّحَ فِيهَا فِي بَابِ مَوَانِعِ النِّكَاحِ عَدَمَ ثُبُوتِهَا، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَتَخْرُجُ الْخَلْوَةُ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ بِهَا (طَلُقَتْ) فَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا لَا رَجْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَهَا بِالطَّلَاقِ فَاخْتَصَّتْ بِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ (بِلَا عِوَضٍ) لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بِهِ قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا (لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُ طَلَاقِهَا) بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى فَإِنَّهُ لَا سَلْطَنَةَ لَهُ عَلَيْهَا (بَاقِيَةٌ فِي الْعِدَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} لَوْ كَانَ حَقُّ الرَّجْعَةِ بَاقِيًا لِمَا كَانَ يُبَاحُ لَهُنَّ النِّكَاحُ تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا خَالَطَ الرَّجْعِيَّةَ مُخَالَطَةَ الْأَزْوَاجِ بِلَا وَطْءٍ فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ وَيَدْخُلُ فِيهَا الْبَقِيَّةُ وَلَا يُرَاجِعُ إلَّا فِي الْبَقِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَمَلَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ فِي عِدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ، وَسَيَأْتِي فِي هَذِهِ خِلَافٌ فِي الْعِدَدِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ بَاقِيَةٌ: لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا لَشَمَلَ هَذِهِ الصُّوَرَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْبَقَاءُ فِي كَلَامِهِ عَلَى بَقَاءِ أَصْلِ الْعِدَّةِ (مَحِلٍّ لِحِلٍّ) أَيْ قَابِلَةٍ لِلْحِلِّ لِلْمُرَاجِعِ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ وَاسْتَمَرَّ زَوْجُهَا وَرَاجَعَهَا فِي كُفْرِهِ لَمْ يَصِحَّ (لَا مُرْتَدَّةٍ) فَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الْحِلُّ وَالرِّدَّةُ تُنَافِيهِ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ ارْتَدَّا مَعًا، وَضَابِطُ ذَلِكَ انْتِقَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى دِينٍ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ تَنْبِيهٌ: لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَجْعَةُ الْمُحْرِمَةِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ عَدَمِ إفَادَةِ رَجْعَتِهَا حِلَّ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَبُولُ نَوْعٍ مِنْ الْحِلِّ، وَقَدْ أَفَادَتْ حِلَّ الْخَلْوَةِ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْمُرْتَجَعَةِ كَوْنُهَا مُعَيَّنَةً، فَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَأُبْهِمَ ثُمَّ رَاجَعَ أَوْ طَلَّقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ رَاجَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، إذْ لَيْسَتْ الرَّجْعَةُ فِي احْتِمَالِ الْإِبْهَامِ كَالطَّلَاقِ لِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِبْهَامِ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ وَشَكَّ فِي حُصُولِهِ فَرَاجَعَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَاصِلًا فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ الْكَمَالُ سَلَّارٍ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ أَنَّهَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ
المتن: وَإِذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ لِمُدَّةِ إمْكَانِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ وَإِنْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، أَوْ سِقْطٍ مُصَوَّرٍ فَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ فَثَمَانُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ
الشَّرْحُ: (وَإِذَا ادَّعَتْ) الْمُعْتَدَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ (انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ) كَأَنْ تَكُونَ آيِسَةً (وَأَنْكَرَ) زَوْجُهَا ذَلِكَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِرُجُوعِ ذَلِكَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ طَلَاقِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ فَكَذَا فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي شَيْءٍ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَتِهِ، وَلَوْ انْعَكَسَتْ الصُّورَةُ فَإِنْ ادَّعَى الِانْقِضَاءَ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا؛ لِأَنَّهَا غَلَّظَتْ عَلَى نَفْسِهَا كَذَا قَالَاهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ خَاصَّةً، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الزَّوْجُ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْكَافِي، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَلَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا (أَوْ) لَمْ تَدَّعِ انْقِضَاءَ أَشْهُرٍ بَلْ ادَّعَتْ (وَضْعَ حَمْلٍ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ كَامِلٍ أَوْ نَاقِصٍ وَلَوْ مُضْغَةً (لِمُدَّةِ إمْكَانِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا (وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ) مِنْهَا فِي وَضْعِ الْحَمْلِ الْمَذْكُور فِيمَا يَرْجِعُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَطْ، لِأَنَّ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى مَا فِي أَرْحَامِهِنَّ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِلَادَةِ قَدْ تَعْسُرُ أَوْ تَتَعَذَّرُ، وَالثَّانِي: لَا وَتُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقَوَابِلَ يَشْهَدْنَ بِالْوِلَادَةِ، أَمَّا النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ كَمَا فِي الْأَمَةِ تَدَّعِي وَضْعَ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا فَلَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ غَيْرُ مُؤْتَمَنَةٍ فِي النَّسَبِ، وَبِأَنَّ الْأَمَةَ تَدَّعِي بِالْوِلَادَةِ زَوَالَ مِلْكٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِ كُلِّ الْحَمْلِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَرَاجَعَهَا صَحَّتْ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مُدَّةُ إمْكَانٍ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِقَوْلِهِ: وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ عَنْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْمُصَنِّفُ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْوَضْعِ، وَكَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ مَعَهَا كَمَا مَرَّ كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ لَمْ تَحِضْ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْبَلُ كَذَا قَالَهُ هُنَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعِدَدِ مَا يُفْهَمُ إمْكَانُ الْحَبْلِ فِيهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى الْغَالِبِ وَأَمَّا مُدَّةُ الْإِمْكَانِ فَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ) أَيْ أَقَلَّ مُدَّةٍ تُمْكِنُ فِيهَا وِلَادَتُهُ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ) إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ (النِّكَاحِ) كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ، وَاعْتُبِرَتْ السِّتَّةُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وَقَالَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وَاللَّحْظَتَانِ: لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ، وَلَحْظَةٌ لِلْوِلَادَةِ (أَوْ) وِلَادَةُ (سِقْطٍ مُصَوَّرٍ فَمِائَةٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِهِ مِائَةٌ (وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ (أَوْ) لَمْ تَدَّعِ الْمُعْتَدَّةُ وَضْعَ حَمْلٍ بَلْ ادَّعَتْ إلْقَاءَ (مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ) وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ (فَثَمَانُونَ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِهِ ثَمَانُونَ (يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ، وَدَلِيلُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: {أَنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً يَكُونُ عَلَقَةً ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ} وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ بِخَبَرٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَهُوَ: {إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا} الْحَدِيثُ. وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا مِنْ التَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ وَهُوَ أَنْ يُخْبِرَ بِالْمُتَوَسِّطِ أَوْ الْمُؤَخَّرِ أَوَّلًا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا وَمِنْهَا أَنْ يُحْمَلَ التَّصْوِيرُ فِي الثَّانِي عَلَى غَيْرِ التَّامِّ، وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى التَّامِّ وَمِنْهَا أَنْ يُحْمَلَ الثَّانِي عَلَى التَّصْوِيرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ فَاءُ فَصَوَّرَهَا إذْ التَّقْدِيرُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ فَصَوَّرَهَا: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحَوَى} فَإِنْ ادَّعَتْ الْوَضْعَ أَيْ فِي أَيِّ قِسْمٍ لِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ لَمْ تُصَدَّقْ وَكَانَ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا فَائِدَةٌ: لَا وَلَدَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ وَضْعُهُ وَحَمْلُهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَهَاهُ لَكَانَ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِهِ
المتن: أَوْ انْقِضَاءَ أَقْرَاءٍ، فَإِنْ كَانَتْ، حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ فِي حَيْضٍ فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلَحْظَةٌ، أَوْ أَمَةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ فِي حَيْضٍ فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ وَلَحْظَةٌ
الشَّرْحُ: (أَوْ) ادَّعَتْ الْمُعْتَدَّةُ (انْقِضَاءَ) مُدَّةِ (أَقْرَاءٍ) نُظِرَ فِيهَا (فَإِنْ كَانَتْ، حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ (فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ) لِانْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا (اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ لَحْظَةٌ مِنْ الطُّهْرِ وَهِيَ قُرْءٌ ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ قُرْءٌ ثَانٍ، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ قُرْءٌ ثَالِثٌ ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضَةِ، وَهَذِهِ الْحَيْضَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعِدَّةِ بَلْ لِاسْتِيقَانِ انْقِضَائِهَا فَلَا تَصْلُحُ لِرَجْعَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ أَثَرِ نِكَاحِ الْمُطَلِّقِ كَإِرْثٍ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ، أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ لِلطَّعْنِ، فَإِنَّ الطُّهْرَ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ لَيْسَ بِقُرْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَوِشٍ بِدَمَيْنِ، وَلَا تُعْتَبَرُ لَحْظَةٌ أُخْرَى لِاحْتِمَالِ طَلَاقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الطُّهْرِ (أَوْ) طَلُقَتْ حُرَّةٌ (فِي حَيْضٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ أَوْ مُبْتَدَأَةٌ (فَسَبْعَةٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا سَبْعَةٌ (وَأَرْبَعُونَ) يَوْمًا (وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ كَأَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَطْعَنُ فِي الْحَيْضِ، وَفِي لَحْظَةِ الطَّعْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الطُّهْرِ، وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى تَقْدِيرِ لَحْظَةٍ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ اللَّحْظَةَ هُنَاكَ تُحْسَبُ قُرْءًا (أَوْ) كَانَتْ، (أَمَةً) وَلَوْ مُبَعَّضَةً (وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ (فَسِتَّةٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا سِتَّةُ (عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ لَحْظَةٌ مِنْ الطُّهْرِ فَتُحْسَبَ قُرْءًا ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الدَّمِ لَحْظَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا تَمَامُ الطُّهْرِ، أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الِاحْتِوَاشِ وَهُوَ الرَّاجِحُ (أَوْ) طَلُقَتْ أَمَةٌ وَلَوْ مُبَعَّضَةً (فِي حَيْضٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ أَوْ مُبْتَدَأَةٌ (فَأَحَدٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا أَحَدٌ (وَثَلَاثُونَ) يَوْمًا (وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ كَأَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضِ، وَالطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي الذَّاكِرَةِ، فَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ هَلْ كَانَ طَلَاقُهَا فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَخَذْت بِالْأَقَلِّ وَهُوَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ، وَقَالَ شَيْخُهُ الصَّيْمَرِيُّ: أَخَذْت بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الِاحْتِيَاطُ وَالصَّوَابُ
المتن: وَتُصَدَّقُ إنْ لَمْ تُخَالِفْ عَادَةً دَائِرَةٌ، وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَتُصَدَّقُ) الْمَرْأَةُ حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا فِي دَعْوَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِأَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ (إنْ لَمْ تُخَالِفْ) فِيمَا ادَّعَتْهُ (عَادَةً) لَهَا (دَائِرَةٌ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي طُهْرٍ وَحَيْضٍ أَوْ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً فِيهِمَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ أَصْلًا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَصُدِّقَتْ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَلَفَتْ، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَثَبَتَ لَهُ الرَّجْعَةُ، (وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ) بِأَنْ كَانَتْ، عَادَتُهَا الدَّائِرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَادَّعَتْ مُخَالَفَتَهَا لِمَا دُونَهَا مَعَ الْإِمْكَانِ فَتُصَدَّقُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَتَغَيَّرُ، فَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَلَفَتْ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لَا تُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَلَوْ مَضَى زَمَنُ الْعَادَةِ فَادَّعَتْ زَائِدًا عَلَيْهَا، فَنَقَلَا فِي أَوَاخِرِ الْعُدَّةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ تَصْدِيقُهَا وَجْهًا وَاحِدًا، وَعَلَى الزَّوْجِ السُّكْنَى، ثُمَّ أَبْدَيَا فِيهِ احْتِمَالًا؛ لِأَنَّا لَوْ صَدَقْنَاهَا لَرُبَّمَا تَتَمَادَى فِي دَعْوَاهَا إلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَفِيهِ إجْحَافٌ بِالزَّوْجِ
المتن: وَلَوْ وَطِئَ رَجْعِيَّتَهُ وَاسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ وَطِئَ) الزَّوْجُ (رَجْعِيَّتَهُ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ بِخَطِّهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَاسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ) أَوْ الْأَشْهُرَ (مِنْ وَقْتِ) فَرَاغِهِ مِنْ (الْوَطْءِ) كَمَا نَقَلَاهُ فِي بَابِ تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْوَطْءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ (رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ) مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ وَقَعَ الْوَطْءُ بَعْدَ قُرْأَيْنِ ثَبَتَ الرَّجْعَةُ فِي قُرْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ قُرْءٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي قُرْأَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَخْتَصُّ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يُرَاجِعُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ، وَلَوْ قَالَ: وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ لَكَانَ أَعَمَّ يَشْمَلُ مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَنْبِيهٌ: لَوْ أَحْبَلَهَا بِالْوَطْءِ رَاجَعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ لِوُقُوعِ عِدَّةِ الْوَطْءِ عَنْ الْجِهَتَيْنِ كَالْبَاقِي مِنْ الْأَقْرَاءِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَتَبَعَّضُ وَعِدَّةُ الْحَمْلِ لَا تَتَبَعَّضُ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَلَا رَجْعَةَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
المتن: وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ، وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ، وَكَذَا إنْ رَاجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ
الشَّرْحُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الزَّوْجَاتِ فِي أَشْيَاءَ وَتُخَالِفُهُنَّ فِي أَشْيَاءَ وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) وَبِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى بِالنَّظَرِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ كَالْبَائِنِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ خِلَافَهُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُبِيحُ الِاسْتِمْتَاعَ فَيُحَرِّمُهُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ، وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بِتَسْمِيَتِهِ بَعْلًا، وَأَنَّهُ يُطْلَقُ مَنْقُوضٌ بِالْمُظَاهِرِ وَزَوْجُ الْحَائِضِ (فَإِنْ وَطِئَ) الرَّجْعِيَّةَ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَتِهِ (وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ) إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مُعْتَقِدِ حِلِّهِ وَالْجَاهِلُ بِتَحْرِيمِهِ لِعُذْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَرْأَةُ، وَكَالْوَطْءِ فِي التَّعْزِيرِ سَائِرُ التَّمَتُّعَاتِ (وَيَجِبُ) بِوَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ (مَهْرُ مِثْلٍ) جَزْمًا (إنْ لَمْ يُرَاجِعْ) لِأَنَّهَا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ كَالْمُتَخَلِّفَةِ فِي الْكُفْرِ فَكَذَا فِي الْمَهْرِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ مَهْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَمْ نَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَوَطْءِ الْأَبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ (وَكَذَا) يَجِبُ الْمَهْرُ (إنْ رَاجَعَ) بَعْدَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ وَاسْتُشْكِلَ إيجَابُ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ مَهْرَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَهْرَ الثَّانِي بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا بِالْعَقْدِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يَجِبُ فِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ نَفْيِهِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَهْرٌ، وَخَرَجَ قَوْلٌ فِي وُجُوبِهِ مِنْ النَّصِّ فِي وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَثَرَ الرِّدَّةِ يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ، وَأَثَرُ الطَّلَاقِ لَا يَرْتَفِعُ بِالرَّجْعَةِ، وَالْحِلُّ بَعْدَهَا كَالْمُسْتَفَادِ بِعَقْدٍ آخَرَ
المتن: وَيَصِحُّ إيلَاءٌ وَظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَلِعَانٌ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَيَصِحُّ) مِنْ الرَّجْعِيَّةِ (إيلَاءٌ وَظِهَارٌ) إنْ حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ بَعْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِمَا (وَطَلَاقٌ) وَلَوْ بِخُلْعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُرْسَلٍ كَزَوْجَاتِي طَوَالِقَ فَتَدْخُلُ الرَّجْعِيَّةُ فِيهِنَّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلِعَانٍ) لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ
المتن: وَيَتَوَارَثَانِ
الشَّرْحُ: (وَ) الزَّوْجُ وَالرَّجْعِيَّةُ (يَتَوَارَثَانِ) فَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرُ، وَتَقَدَّمَ مَسْأَلَتَا التَّوَارُثِ وَالطَّلَاقِ فِي الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ خِطَابِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِهِ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا تَتْمِيمًا لِأَحْكَامِ الرَّجْعِيَّةِ وَإِشَارَةً إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ آيَاتِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ، وَسَكَتَ هُنَا عَنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا لِذِكْرِهِ لَهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ تَنْبِيهٌ: الرَّجْعِيَّةُ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِحَسَبِ ظُهُورِ دَلِيلٍ لِأَحَدِهِمَا تَارَةً وَلِلْآخَرِ أُخْرَى، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنَظِيرُهُ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّ النَّذْرَ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزِهِ وَفِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ
المتن: وَإِذَا ادَّعَى وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ رَجْعَةً فِيهَا فَأَنْكَرَتْ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ رَاجَعْت يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَتْ بَلْ السَّبْتِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَتْ: انْقَضَتْ الْخَمِيسَ، وَقَالَ السَّبْتَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى، فَإِنْ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ ادَّعَاهَا قَبْلَ انْقِضَاءٍ فَقَالَتْ بَعْدَهُ صُدِّقَ قُلْت فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا صُدِّقَتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الرَّجْعَةِ، فَقَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى) عَلَى رَجْعِيَّةٍ (وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ) هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (رَجْعَةً فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَنْكِحْ غَيْرَهُ (فَأَنْكَرَتْ) نُظِرَتْ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ) لِعِدَّتِهَا (كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ) هُوَ (رَاجَعْت يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَتْ) هِيَ (بَلْ السَّبْتِ) رَاجَعْتنِي فِيهِ (صُدِّقَتْ) عَلَى الصَّحِيحِ (بِيَمِينِهَا) أَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ رَاجَعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ إلَى يَوْمِ السَّبْتِ تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عِدَّةٍ يَنْقَضِي مِثْلُهَا بِأَشْهُرٍ أَوْ أَقْرَاءٍ أَوْ حَمْلٍ وَلَمْ يَرِدْ الِاتِّفَاقُ فِي حَقِيقَةِ الِانْقِضَاءِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ الرَّجْعَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَانِعٌ مِنْ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ) لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ، بَلْ (عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَتْ) هِيَ (انْقَضَتْ الْخَمِيسَ، وَقَالَ) هُوَ: بَلْ انْقَضَتْ (السَّبْتَ صُدِّقَ) فِي الْأَصَحِّ (بِيَمِينِهِ) أَنَّهَا مَا انْقَضَتْ الْخَمِيسَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْقِضَائِهَا قَبْلَهُ، وَقِيلَ: هِيَ الْمُصَدَّقَةُ، وَقِيلَ: الْمُصَدَّقُ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى، فَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا سَقَطَ هَذَا الْوَجْهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ) عَلَى وَقْتِ رَجْعَةٍ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّةٍ (فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى) لَاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ بِقَوْلِ السَّابِقِ، ثُمَّ بَيَّنَ السَّبْقَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ ادَّعَتْ) أَيْ سَبَقَتْ وَادَّعَتْ (الِانْقِضَاءَ) لِعِدَّتِهَا (ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً) لَهَا (قَبْلَهُ) أَيْ الِانْقِضَاءِ (صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا) أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَسَقَطَ دَعْوَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الِانْقِضَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهَا بِالْأَصْلِ (أَوْ ادَّعَاهَا) أَيْ سَبَقَ وَادَّعَى رَجْعَتَهَا (قَبْلَ انْقِضَاءٍ ) لِعِدَّتِهَا (فَقَالَتْ) بَلْ رَاجَعْتنِي (بَعْدَهُ) أَيْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الرَّجْعَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الِانْقِضَاءِ وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْقِضَاءِ تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ إطْلَاقِ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ جَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَقَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ جَمْعٍ بِمَا إذَا تَرَاخَى كَلَامُهَا عَنْهُ، فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ، وَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ وَاعْتَمَدَهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِيمَا إذَا سَبَقَهَا الزَّوْجُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَرَاخَ كَلَامُهَا عَنْ كَلَامِهِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذُكِرَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي الْعِدَدِ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ وَطَلَّقَهَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا، فَقَالَ: وَلَدْت قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلِي الرَّجْعَةُ، وَقَالَتْ: بَعْدَهُ نُظِرَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ بَلْ قَالَ: كَانَتْ، الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَادَّعَتْ الْعَكْسَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ مَعَ أَنَّ مُدْرَكَ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ. أُجِيبَ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ بَلْ عُمِلَ بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَدَّقُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَهُ فِي الْآخَرِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُمَا هُنَا اتَّفَقَا عَلَى انْحِلَالِ الْعِصْمَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَثَمَّ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَتَقَوَّى فِيهِ جَانِبُ الزَّوْجِ، وَهَلْ الْمُرَادُ سَبْقُ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ: نَعَمْ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ: يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (قُلْت) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا) كَأَنْ قَالَ: رَاجَعْتُك، فَقَالَتْ فِي زَمَنِ هَذَا الْقَوْلِ انْقَضَتْ عِدَّتِي (صُدِّقَتْ) بِيَمِينِهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الِانْقِضَاءَ غَالِبًا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا، فَإِنْ اعْتَرَفَا بِتَرْتِيبِهِمَا وَأُشْكِلَ السَّابِقُ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ وَوِلَايَةُ الرَّجْعَةِ وَالْوَرَعِ تَرْكُهَا أَمَّا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ وَادَّعَى مُطَلِّقُهَا تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَيْهَا، وَهَلْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهَا فِي حِيَالِهِ وَفِرَاشِهِ أَوْ لَا لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مِنْ اثْنَيْنِ، فَادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ سَبْقَ نِكَاحِهِ فَإِنَّ دَعْوَاهُ لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ، الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَأُجِيبَ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِهِمَا ثَمَّ، وَعَلَى هَذَا تَارَةً يَبْدَأُ بِالدَّعْوَى عَلَيْهَا وَتَارَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمُدَّعَاهُ انْتَزَعَهَا، سَوَاءٌ بَدَأَ بِهَا أَمْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ وَبَدَأَ بِهَا فِي الدَّعْوَى فَأَنْكَرَتْ فَلَهُ تَحْلِيفُهَا، فَإِنْ حَلَفَتْ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا عَلَى الثَّانِي مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا، فَإِنْ زَالَ حَقُّهُ بِنَحْوِ مَوْتٍ سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ، وَقَبْلَ زَوَالِ حَقِّ الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهَا لِلْأَوَّلِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْحَيْلُولَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ، فِي حِيَالِ رَجُلٍ فَادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا آخَرُ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِهِ، وَقَالَتْ: كُنْت طَلَّقْتنِي فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهَا لَهُ وَتَنْزِعُ لَهُ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَالْفَرْقُ اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْأُولَى عَلَى الطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ نَعَمْ إنْ أَقَرَّتْ أَوَّلًا بِالنِّكَاحِ لِلثَّانِي أَوْ أَذِنَتْ فِيهِ لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ نَكَحَتْ رَجُلًا بِإِذْنِهَا ثُمَّ أَقَرَّتْ بِرَضَاعِ مَحْرَمٍ بَيْنَهُمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا، وَإِنْ بَدَأَ بِالزَّوْجِ فِي الدَّعْوَى فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ انْقَضَتْ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ إلَّا بِإِقْرَارِهَا لَهُ أَوْ حَلِفِهِ بَعْدَ نُكُولِهَا، وَلَهَا عَلَى الثَّانِي بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، وَإِلَّا فَالْمُسَمَّى إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ
المتن: وَمَتَى ادَّعَاهَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ صُدِّقَ، وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا وَصُدِّقَتْ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ قَبْلَ اعْتِرَافِهَا
الشَّرْحُ: (وَمَتَى ادَّعَاهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ) بِاتِّفَاقِهِمَا وَأَنْكَرَتْ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَائِهَا، وَهَلْ دَعْوَاهُ إنْشَاءٌ لِلرَّجْعَةِ أَوْ إقْرَارٌ بِهَا؟ وَجْهَانِ، رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِي وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ إنْشَاءً، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (وَصُدِّقَتْ) كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ اعْتَرَفَتْ) بِهَا (قَبْلَ اعْتِرَافِهَا) لِأَنَّهَا جَحَدَتْ حَقًّا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقُّ الزَّوْجِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعِ مَحْرَمٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ رَجَعَتْ وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ إثْبَاتٍ، وَالْإِثْبَاتُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ، فَفِي الرُّجُوعِ عَنْهُ تَنَاقُضٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ نَفْيٍ وَالنَّفْيُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عِلْمٍ نَعَمْ لَوْ قَالَ: مَا أَتْلَفَ فُلَانٌ مَالِي ثُمَّ رَجَعَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَا أَتْلَفَهُ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِبَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَوْ أَنْكَرَتْ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ وَكَانَ إنْكَارُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ، أَذِنَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ نَفْيٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا كَانَ كَالْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانِ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِهِ عَلَى الْبَتِّ كَالْإِثْبَاتِ وَجُدِّدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِدُونِ تَجْدِيدٍ
المتن: وَإِذَا طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ وَطِئْت فَلِي رَجْعَةٌ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينٍ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِالْمَهْرِ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِنِصْفٍ
الشَّرْحُ: (وَإِذَا طَلَّقَ) الزَّوْجُ (دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ وَطِئْت) زَوْجَتِي قَبْلَ الطَّلَاقِ (فَلِي) عَلَيْهَا (رَجْعَةٌ وَأَنْكَرَتْ) وَطْأَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ (صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ) أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا ادَّعَى الْعِنِّينُ أَوْ الْمَوْلَى الْوَطْءَ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي ذَلِكَ تَدَّعِي مَا يُثْبِتُ لَهَا حَقَّ الْفَسْخِ، وَالْأَصْلُ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَسَلَامَتُهُ، وَهُنَا الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي مَا يُثْبِتُ لَهُ الرَّجْعَةَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنْ حَلَفَتْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ حَالًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهَا أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا (وَهُوَ) بِدَعْوَاهُ وَطْأَهَا (مُقِرٌّ لَهَا بِالْمَهْرِ) وَهِيَ لَا تَدَّعِي إلَّا نِصْفَهُ (فَإِنْ) كَانَتْ، (قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ) عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ (وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِنِصْفٍ) فَقَطْ عَمَلًا بِإِنْكَارِهَا، وَإِذَا كَانَتْ، أَخَذَتْ النِّصْفَ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ هَلْ تَأْخُذُ النِّصْفَ الْآخَرَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارٍ جَدِيدٍ مِنْ الزَّوْجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْإِقْرَارِ الثَّانِي تَنْبِيهٌ: تَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْيَمِينِ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّصْدِيقِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ خَاتِمَةٌ: لَوْ كَانَتْ، الزَّوْجَةُ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا أَمَةً وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجْعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا بِيَمِينِهَا حَيْثُ صُدِّقَتْ الْحُرَّةُ بِيَمِينِهَا، لَا قَوْلَ سَيِّدِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي مُطَلَّقَتِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَرَاجَعْتهَا مُكَذِّبًا لَهَا أَوْ لَا مُصَدِّقًا وَلَا مُكَذِّبًا لَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِالْكَذِبِ بِأَنْ قَالَتْ: مَا كَانَتْ، انْقَضَتْ، فَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهَا، وَلَوْ سَأَلَ الرَّجْعِيَّةَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَزِمَهَا إخْبَارُهُ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَفِي سُؤَالِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلَانِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اللُّزُومِ
|